قبلة الحياة لبحيرة مريوط
جاءت توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسى بازالة التعديات من بحيرة مريوط وتنميتها بمنزلة طوق نجاة لانقاذ (13) الف فدان من الاختفاء، بوقف عمليات الاغتصاب المستمرة لاراضيها والتعدى عليها بالردم والتجفيف، والاهم من ذلك عودة نبض الحياة إليها مرة اخرى بعد ان اصيب معظم اجزائها بالتصحر نتيجة منع المياه عنها وإغلاق الطلمبات عن عمد!!
فكانت نظرة الرئيس السيسى لهذا المسطح قرارا بإيقاف حكم الاعدام على البحيرة الذى ينفذ منذ عام 2015 حتى الان والصادر من محافظة الاسكندرية ووزارة الزراعة صاحبة الولاية على البحيرة شكليا فقط بتفريغها من المياه تماما لتصبح على مر السنوات الاربع الماضية وعاء لمياه الامطار والسيول التى تتعرض لها الاسكندرية خلال فصل الشتاء تجنبا لعدم تعرض المدينة للغرق مرة اخري، فكان قرارا بالاعدام مع سبق الاصرار والترصد لهذا المسطح لأنه بلا صاحب!!
ومن لايعرف بحيرة مريوط المفترى عليها فإن تاريخ عروس البحر يؤكد أنها تعتبر من اجمل البحيرات الشمالية فى مصر وتقع جنوب الاسكندرية وهى بحيرة مغلقة لاتتصل بالبحر وتتغذى على مياه المصارف منذ أكثر من ستين عاما كانت مساحتها تبلغ (60) فدانا وعلى مر السنين ونتيجة تعرضها لعمليات الردم والتجفيف وصلت مساحتها الان الى نحو (13) الف فدان.. وكانت بين الحين والآخر تتعرض لعمليات التجفيف من اجل التوسعات الزراعية وانشاء مناطق سكنية، مثل منطقة أبيس وقراها وفى نهاية الستينيات صدر القرار الجمهورى بردم اربعة افدنة من اجل انشاء مجمعات بترولية بمنطقة مرغم.. ويتوالى مسلسل التعدى على البحيرة بالردم والتجفيف إما بقرارات رسمية حكومية وإما قرارات خفية من اصحاب النفوذ باغتصاب مئات من الافدنة وردمها لاقامة مولات تجارية ومنتجعات سكنية وكافيتيريات ومشاريع استثمارية، ولان بحيرة مريوط بلا صاحب بعد تنصل السادة المسئولين منها فقد شجع ذلك العديد من رجال الاعمال واصحاب السطوة على اغتصاب مئات الافدنة لتجثم على اراضى البحيرة مخازن الاخشاب وشون المعدات ومواد البناء تحت سمع وبصر السادة المسئولين سواء بالمحافظة او وزارة الزراعة، ومازال مسلسل التعدى مستمرا والبحيرة مباحة لمن يملك قوة المال والدليل على ذلك ماحدث للبحيرة عقب ثورة يناير 2011 حيث تم التعدى على (500) فدان فى ظل الفوضى وتقاعس المسئولين من المحافظة عن حماية البحيرة وكأنها غير موجودة على الخريطة، كما تم تجفيف (200) فدان فى حوض الـ 6 الاف فدان ولم يتحرك احد من المسئولين وكأن هذا ضوء اخضر لمن يريد اغتصاب مساحات من البحيرة وحدث بالفعل ان قام بعض من رجال الاعمال بالتعدى على حوض الالف فدان وردم مئات الافدنة به بمباركة مسئولى محافظة الاسكندرية ووزارة الزراعة.
لم تكن تلك اوجاع البحيرة فقط بل هناك عدة عوامل ساهمت فى اصابتها بامراض مزمنة فشجعت على اصدار الحكم باعدامها، ومنها مئات الاطنان من الملوثات التى تصب يوميا فى جوفها من مخلفات الصرف الصحى والزراعى والصناعى منذ عشرات السنين، الامر الذى ألحق بالثروة السمكية اضرارا جسيمة وغير من خواص المياه فتضاعفت معاناة البحيرة وايضا عشرات الالاف من الصيادين بها بعد ان اصبحت مسطحا مائيا ملوثا يعانى من التلوث والعطش ومؤخرا تصحر اجزاء كبيرة فى احواضها.
قتل عمد لمسطح رباني
ماذا حدث ويحدث لبحيرة مريوط؟ سؤال توجهنا به الى اشرف زريق شيخ صيادى البحيرة وامين صندوق جمعية الصيادين بها الذى بدأ حديثه بقوله: فى البداية أؤكد لسان اكثر من (15) الف صياد بالبحيرة ان توجيهات الرئيس السيسى بتنمية البحيرة أحيت الأمل فى إنقاذ هذا المسطح المائى الربانى من أوجاعه وعودة الحياة إليه مرة اخرى وعما تعانيه البحيرة، ففى المقام الاول لابد ان نؤكد ان انخفاض منسوب المياه منذ سنوات عديدة بالبحيرة نتيجة تعنت مسئولى وزارة الرى والموارد المائية فى ضخ المياه لاحواض البحيرة الخمسة بصفة منتظمة مما ترتب عليه إلحاق الضرر البالغ بالثروة السمكية باحواض البحيرة، وازدادت حدة المشكلة عام 2015 بعد غرق مدينة الاسكندرية حيث اصدر مسئولو المحافظة ووزارة الزراعة قرارا خاطئا وقاتلا بمنع المياه عن البحيرة قبل حلول فصل الشتاء لتصبح ارضا جرداء ولتكون وعاء يستوعب مياه الامطار والسيول ويتساءل قائلا: هل يعقل ذلك؟ ألم يكن هناك حل عملى وعلمى سوى الحكم بقتل البحيرة والثروة السمكية بها وتشريد نحو (15) الف اسرة هى اسر صيادى بحيرة مريوط من اجل حماية المدينة من السيول؟ المفاجأة منذ عام 2015 حتى الان لم تتعرض المدينة للامطار ولا السيول بل إن كل ما حدث قتل متعمد لبحيرة مريوط!!! وكانت النتيجة ان أصيبت البحيرة بالجفاف وتحولت اجزاء كبيرة منها الى اراض ضحلة وهناك اجزاء كبيرة منها تعانى من التصحر فاصبحت البحيرة مطمعا لاصحاب النفوذ وقوة المال وزادت التعديات على اراضى البحيرة حتى اصبحت اقل من (17) الف فدان!!!!
أرض ضحلة
وعن الوضع الحالى لمريوط يقول: تحولت معظم احواض البحيرة الى روبة بسبب نقص المياه حتى وصل المنسوب الى 2.70 متر والمفروض ان يصل إلى 2.35 متر مما ترتب عليه عدم نزول الصيادين للبحيرة للصيد لان انخفاض المياه بهذا الشكل الخطير لايمكن معه ان تسير المراكب فى البحيرة حيث تحولت الى اراض ضحلة، بل يمكن السير فى قلب البحيرة على الاقدام، ويشير بقوله: لقد ساعد على اغتيال البحيرة خلال السنوات الماضية ضعف امكانات الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية من آلات ومعدات لتطهير البحيرة وايضا عدم تعاون مسئولى المحافظة فى عملية تطهير وتنمية البحيرة مما ترتب عليه انخفاض انتاجية البحيرة من الاسماك من (12) الف طن الى (3) الاف طن فقط.
التلوث فى جوف البحيرة
من جانبه، يؤكد محمد البلبوشى رئيس جمعية صيادى بحيرة مريوط فيقول ان بحيرة مريوط تعانى من عيب خلقى فهى بحيرة غير متصلة بالبحر لذلك فهى تعتمد فى تغذيتها بالمياه على المصارف وترعة النوبارية، ومن هنا كان التلوث احد اوجاعها حيث يصب فى جوف البحيرة مئات الاطنان من مخلفات الصرف سواء صحيا او زراعيا او صناعيا وللاسف دون معالجة وهذا فى حد ذاته كارثة بكل المقاييس فمخلفات الصرف الصناعى تحتوى على مواد كيمياوية سامة تقتل الثروة السمكية ورغم ذلك وبعلم المسئولين هناك العديد من الشركات الصناعية تصب بمخلفاتها من خلال مواسير ترى بوضوح على البحيرة مباشرة وقد تقدمنا مرارا بشكاوى للمسئولين لمنع صب الصرف الصناعى على البحيرة واتخاذ الاجراءات اللازمة حيال الشركات المخالفة لقوانين البيئة وللاسف لم يلتفت احد منهم لصرخاتنا، ويستطرد بقوله: وهناك الصرف الصحى والزراعى وهما اقل ضررا من الصرف الصناعى ولكن ينتج عنهما ايضا تلوث ضار بالبحيرة وأسماكها.
ويواصل بقوله: هناك ايضا مشكلة البوص والهيش الذى يجتاح احواض البحيرة ويعرقل عملية الصيد وسير المراكب منذ سنوات عديدة والذى نتج عن انخفاض منسوب المياه واستقرار جميع انواع الملوثات فى جوف البحيرة، وقد ساهمت قلة امكانيات الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية فى تفاقم هذه المشكلة وانتشارها بشكل مخيف طوال العام فاصبحت البحيرة لاحول لها ولا قوة إلا بالله.
قوت اليوم
ويتناول العربى الزغوى سكرتير جمعية مريوط وصياد بعدا آخر لاوجاع بحيرة مريوط فيقول: هو بعد انسانى مرتبط بما حدث للبحيرة من عمليات اغتيال وقتل متعمد لاحواضها وهو خاص بصيادى البحيرة واسرهم فمعظم الصيادين بلا عمل ويعانون البطالة واصبحوا عاجزين عن توفير قوت اليوم لاسرهم ومنهم من امتهن مهنة اخرى غير الصيد ليوفر عدة جنيهات يوميا لابنائه...بل الاكثر من ذلك الكثير من الصيادين اصبحوا عاجزين عن سداد المصروفات الدراسية لابنائهم بالمدارس والجامعات فكان القرار بتوقف ابنائهم عن مواصلة التعليم، والمفارقة العجيبة ان صياد البحيرات عامة غير قادر على الصيد بالبحر لان الصيد انواع ومعدات الصيد بالبحيرات تختلف عن معدات الصيد بالبحر.
ويستطرد قائلا: ان القانون 124،123 لسنة 84 والخاص بتنظيم الثروة المائية يشترط ان يكون سن المعاش للصياد 65 سنة كيف ذلك؟ ومهنة الصيد مهنة شاقة وتحتاج إلى مجهود كبير وعند وصول الصياد لسن الـ 50 يصبح غير قادر على العمل ولايملك الجهد والصحة لممارسة المهنة وقد ترتب على ذلك ايضا عجز عدد كبير منهم عن تجديد تراخيص مزاولة المهنة نتيجة العجز عن العمل حتى تراكمت عليهم الرسوم لسنوات طويلة لذلك نطالب بخفض سن المعاش للصياد.
صرخة مدوية
ويطلق صيادو بحيرة مريوط صرخة للرئيس السيسى حيث يطالبون بزيادة منسوب المياه بالبحيرة من اجل عودتها للحياة مرة اخرى وضرورة اصدار قرار سيادى بمنع الشركات الصناعية من صب مخلفاتها على البحيرة، كما يأمل كل صياد فى تنفيذ توجيهات الرئيس السيسى بازالة التعديات على البحيرة والتى ستساعد على زيادة مساحتها التى اغتصبت من قبل.
حصر التعديات وتنفيذ الإزالة
وعن الخطوات التى تمت وتتم حاليا لتنفيذ توجيهات الرئيس السيسى يقول المهندس احمد حلمى رئيس الادارة المركزية لشئون المنطقة الغربية لتنمية الثروة السمكية، بالفعل تعانى البحيرة منذ عام 2015 من انخفاض منسوب المياه بنحو 30 سنتيمترا كى تكون حماية للمدينة من الغرق وبعض الاماكن اصابها الجفاف وبهذا أصبحت عرضة للتعديات من بعض الشركات والافراد الخارجين عن القانون وقد قمنا بملاحقتهم واتخاذ الأجراءات القانونية اللازمة وتمت ازالة عدد كبير من التعديات حيث صدر (13) قرار ازالة فى عام 2018 تم تنفيذ (11) قرارا وجار التنسيق مع الجهات المعنية لازالة حالتين آهلتين بالسكان...وفى أواخر العام ذاته تم رصد (13) حالة تعد أخرى جار حاليا استصدار قرارات ازالة وتنفيذها خلال الاسابيع القادمة.
وعن نوعية التعديات على حرم البحيرة يقول المهندس حلمي، هى عبارة عن ردم فى المسطح المائى وبناء عدد من المبانى الآهلة حاليا بالسكان...وعقب توجيهات السيد الرئيس تم حصر شامل لجميع المخلفات من مبان قديمة للصيادين تم بناؤها عام 1985 على الشريط الحدودى لحرم البحيرة وهى عبارة عن ثلاثة نجوع بها مبان بمساحات مختلفة للصيادين واسرهم ومنهم من حصل على تراخيص من الهيئة بالبناء ومنهم من قام بالبناء بدون تراخيص وهذا الامر معروض على رئيس مجلس ادارة الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية والجهات المعنية لاتخاذ اللازم بشأنهم.
ثبات منسوب المياه
ويواصل حديثه بقوله: وفيما يتعلق بانخفاض منسوب المياه تم مخاطبة وزيرى الزراعة والرى بشأن ثبات المنسوب على 2.40 سنتيمتر عن سطح البحر ووجود منسوب مياه لايقل عن متر من اجل احداث التنمية للبحيرة ولم نتلق اى رد نظرا للتغيرات المناخية والاحتياطات اللازمة لعدم تعرض المدينة للغرق مرة اخرى وتقوم الهيئة بمتابعة وعمل تحاليل دورية لجميع احواض البحيرة وهى حاليا فى مستوى آمن من التلوث المسموح به عالميا.